الخميس، 15 يناير 2009

الرقص الشرقي على الصراط المستقيم

لم يكن "بال أهلواليا" و"بيل أشكروفت" في "مفارقة الهوية" يقدمان مجرد مقاربة ذات أبعاد عدة فيما يتعلق بالمفكر الراحل "إدوارد سعيد"، إذ أن تحليل المركبات المعقدة لصاحب الثلاثية الأشهر "الاستشراق" لفلسطيني مسيحي أتم تعليمه في مصر، ثم حمل الجنسية الأمريكية وعاش كمواطن نيويوركي ، ليست مجرد علامة فارقة وحسب.فـ"سعيد" الذي أجاد استنباط اللغة واستقراء النص، في نبش الصورة الفكرية للخطاب الكولونيالي حول الشرق، برز بوضوح تأثره بمدرسة " الأنثروبولوجيا المعرفية" التي أثارها "ميشيل فوكو" الفيلسوف والمفكر الفرنسي، خلال كتاباته التي قرأت كنوع من درأ التهم غير المنطقية للإسلام، ولكن، وفيما يتحدث "سعيد" في نقده للخطاب الكولونيالي، لم يكن ليبتعد عن ليبراليته التي ربما في مكان ما، هو نوع من النقد لما هو عليه حال الثقافة في الشرق.قريبا من ذلك، كان المفكر الجزائري "محمد آركون" يحاول في كتابه "الاستشراق" مناقشة الحالة الاستشراقية بأبعاد أخرى، حاولت لوقت ما بلوغ الحد الأعلى من نقد الخطاب الاستشراقي تركيزا على ما بنى عليه المستشرقون حول الشرق وعقائده، ليس هذا حريا بالبحث الآن، فبينما بدا "غوستاف فون غرونباوم" متعجرفا وهو يستعرض تاريخ النظريات القائمة منذ الشيوعية وحتى الليبرالية، كان أحد المستشرقين يرى في كلمة لاذعة :«إن كل أحمق يستطيع أن يكون نبيا في الشرق».للوهلة الأولى بدت لي تلك الكلمة قاسية للغاية، وفي حال ما، نستطيع أن نتمها بـ:«إلا الأنبياء بالطبع».خلال مسيرة فكرية طويلة جعل "سعيد" القضية الفلسطينية محور اهتمامه، ووفقا لما سماه المفكر الفلسطيني الراحل "الفن الغامض للانتهازية السياسية الأمريكية" لم يكن من الممكن بوضع ما الوصول بالقضية الفلسطينية إلى ما هو عليه في الغرب، خاصة فيما يتعلق بآليات عمل اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة التي عراها "سعيد" ببراعة.قد أبدو مختلفا جدا مع "سعيد" حول ما اعتقده حلا للصراع الفلسطيني – الصهيوني، إنما وبشكل ما فأني مقتنع تماما في ما توصل إليه في كتاباته " الثقافة والإمبريالية" وتلك التي أعلنها في حديثه عن"المثقف والسلطة".ومن خلال الاستشراق، يبدو الشرق أرضا خصبة لعمل أؤلئك الباحثين عن علاقة الثقافة بالسلطة، وهوية المثقف.لقد وُفق "سعيد" إلى الاستدلال عن أن جميع رعايا المجتمع بطبيعة الحال مثقفين، ولكن التقسيم المعتمد هو أؤلئك المثقفين الذين يعتمدون لأنفسهم التصنيف الموضوعي، وبين أؤلئك الذين يقفون بصف التقليديين، إن هذه الظاهرة هي الأجدر في البحوث الفكرية، فأؤلئك التقليديين هم المثقفين الملتصقين بسلطة ما في مكان ما، ولعل في إدراك الحالة يستعان ببنيوية "جاك دريدا" لما قد يكون الحال كذلك في مجتمع من المجتمعات، فعلى نحو ما، لم يفت "سعيد" توصيف هوية السلطة التي أراد بحثها، فالسلطة ليست بجميع الأحوال سياسية المنشأ والصورة، بل ثمة سلطات تقبع في أطراف المجتمع وأعماقه لعلها أشد تأثيرا من السلطة السياسية، أما الشرق، فليس هو المعني هنا، على هذا الأساس اقتحم "سعيد" عالم الإستشراق مهددا أركانه، لذا قد تبدو السلطات في الغرب ديمقراطية ومتحررة، فالضوء على الوجه الآخر غير مسلط بتلك القوة، فتلك النظرات التي يتطلع بها الغرب إلى الشرق لم تعد سوى نظرات مسبقة الصنع، ومستهلكة.ليس هذا فحسب، لقد قامت السلطات الغربية المتنوعة بتوجيه ثقافة الغرب إلى نوع من التركيز على عجز ما لدى الشرقيين، وليس علينا الاعتقاد بأن تلك هي النهاية. حيث يستطيع أي منا متابعة " الإمبريالية والثقافة" لإدوارد سعيد أيضا.ما أنف ذكره مقدمة هادئة لما أريد توجيهه في هذه الظروف لإنشائيات الليبراليين العرب الذين يحاولون مستميتين الالتصاق بالغرب، وتطبيق ما يراه هو (أي الغرب) مناسبا لنا، خاصة فيما يتعلق بأعمال قد تبدو لبرهة، غير طبيعية، وبين هاتين، لابد من التطرق لبعض الحالات الشرقية، التي جعلت منا لقمة سائغة لما بدأ بتسميته بعض المفكرين الغربيين "كجورج غالاوي" مثالا "الليبرالية المتوحشة".
ابراهيم حريب

هناك تعليق واحد:

  1. Hi!! Your blog are very nice and more info. I hope follow my blog and please click my google ads.

    ردحذف