الأربعاء، 27 يناير 2010

البوم البريطاني وخراب المخمل

إن بعضا ممن يقتطعون وقتا لمراقبة أحوال إيران بسذاجة، أبدوا تعطشا شبقا لمشاهدة سقوط نظامٍ من الأفضل لو أنهم لحظوا فيه طبيعة جمهورية قبل أن يسوقوا خطابا يعتمد اصطلاحات على شاكلة "نظام الملالي" بنفس تلك السذاجة وبمزيد من التوحش الشعاراتي الذي ما زال يستحم في أنهاره ليبراليو الشرق الأوسط الجديد الذي لم يقم.
لم تكن أدبيات بداية الثورة مجرد إنشائيات إسلامية كما ظهرت على عكس ما هو الحال عليه في أنها مفاتيح خاصة لأبواب تفضي إلى سراديب القيادة السرية، فبالعودة إلى إشارات أطلقها الإمام الخميني ملهم الثورة وتركيزه حينذاك بشكل غير مباشر على إحدى الحلقات المفقودة في ما يسمى اليوم أزمة إيرانية، ثمة شئ ساهم إلى حد غير منظور في تحفيز شهوات عمياء للغرب ليس لإسقاط النظام وهو الهدف الذي يعلم الغرب نفسه أن لا سقف واقعيا له حتى الآن، بل محاولة لسحب البساط البراغماتي تحت أقدام محافظي النظام الإسلامي وزحلقتهم لصدم منطقة البصلة السيسائية.
لنمعن النظر في مساهمة علمانيات تيارات مختلفة وضيقة في بلورة الثلث الأول لعمر الثورة، ذلك الأمر الذي جعل من مهدي كروبي وميرحسين موسوي بضاعة مستهلكة وربما غير صالحة لإعمار مراكزا تدير قرارا قاضيا في منطقة الشرق الأوسط بما هي عليه من تجاذبات وتدابيرا إقليمية.
فحينما فقدت إيران العام الفائت مرجعا دينيا من طبيعة الشيخ محمد تقي بهجت أحد تلك المفاتيح التي أشار إليها الراحل الخميني، وما تركه من قاعدة شعبية في تمكين القرار الإيراني وانعطافها لما تمليه بعض خصوصيات القناعات المرتبطة بفكرة التقليد في إيران، لعل دوائر غربية رأت فيها ثغرة ليس لإحباط التيار الذي ترى فيه راديكالية تمقتها وتعسر مصالحها، بل فرصة لترسيخ إيران بلا براغماتية بما يرجح كفة الميزان لصالح النظام حتى السقوط بمبدأ عدم التكافؤ.
أمر لم يستوعبه مراهني القمار الإيراني في الغرب ومن معهم، إذ أن إدراكا غاب عن الذهنية الغربية تحديدا في بريطانيا التي تولت إدارة ذلك القمار، أن النفخ في هذا المزمار لا يمكن أن يكون إلا طهراني الصدى وحسب، مع ملاحظة حراك رفسنجاني عرّاب البراغماتية الإيرانية خلال الأحداث الذي كرس تحييدا لهذا التيار -البراغماتية- بطريقة خطوة للأمام واثنتين للخلف ما ترك واقعا بأنه لا ثقل سوف يسحب مفاجئة من الميزان، وما يعني أن ما يمكن تأجيجه من أزمات ليس إرادة شعبية عارمة كما يزعم البعض بوقاحة، وبالتالي لا سقوط إيرانيا في الآفاق.
واليوم بعد أن أقر كروبي شرعية نجاد على كرسي الرئاسة، حري به وشركائه التبصر أن سعيا وراء "البوم" قد أحال مخمليي الثورة شعثا غبرا أمام الرأي العام الذي سوف لن يغفر شغل باله بترهات براون وأحلام أوباما التي تركها له بوش في زواريب المكتب البيضاوي.
ابراهيم حريب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق